مدينة "الزيتون" الصينية .. تربطها بالعرب عروة وثقى
BJT 08:30 11-05-2017
بقلم وديان ليو
بكين 10 مايو 2017 (شينخوا) على امتداد التاريخ، شهدت مدينة تشيوانتشو باعتبارها نقطة إنطلاق طريق الحرير البحري وميناء هاماً للتجارة الخارجية مسيرة تطور التبادلات الصينية - العربية عبر هذا الطريق داخل الصين، إذ بلغت هذه التبادلات مبلغاً كبيراً في عهد أسرتي سونغ ويوان (960-1368). ولا تزال مدينة "الزيتون" هذه - كما أطلق عليها الرحالة إبن بطوطة - تواصل في وقتنا الحاضر الاضطلاع بدورها في التبادلات بين الصين والعالم العربي في إطار مبادرة الحزام والطريق.
مدينة "الزيتون" الصينية .. تربطها بالعرب عروة وثقى
-- أصل اسم مدينة "الزيتون"
"لما قطعنا البحر، كانت أول مدينة وصلنا إليها هي مدينة الزيتون، وهذه المدينة ليس بها زيتون ولا بجميع بلاد أهل الصين والهند، ولكنه اسم أُطلق عليها. وهي مدينة عظيمة كبيرة تُصنع بها ثياب الكمخا والأطلس. ومرساها من أعظم مراسي الدنيا إن لم يكن أعظمها"، هكذا وصف الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة في رحلته تشيوانتشو، تلك المدينة الساحلية الواقعة في مقاطعة فوجيان جنوب شرقي الصين.
في الحقيقة، لا يوجد في هذه المدينة التي تربطها بالعرب عروة وثقى منذ عهد أسرة تانغ الملكية الصينية (618-907)، زيتون كما ذكر ابن بطوطة في رحلته، ولكن ينتشر في ربوعها كثير من الأشجار التي تحمل اسم "تسيتونغ"، وهي كلمة صينية تتشابه في النطق مع كلمة "زيتون"، ويعتبر سكان تشيوانتشو "تسيتونغ" رمزاً للمدينة، حيث تحدث أحد السكان هنا لمراسل وكالة أنباء ((شينخوا)) قائلا "تسيتونغ هي زهرة حمراء، وهي زهرة مدينة تشيوانتشو، إنها تمثل الحماسة والجسارة والنشاط والحيوية بالنسبة لسكان تشوانتشو".
-- نسل العرب
عند الحديث عن العروة التي تربط تشيوانتشو بالعالم العربي، لا بد في بادئ الأمر أن نذكر نسل العرب المقيمين في هذه المدينة. فوفقا للإحصائيات، يعيش الآن في تشيوانتشو 50 ألفا من نسل العرب والفارسيين الذين تحمل عائلاتهم عادة أسماء "دينغ" و"بو" و"قوه". ولا يزالون حتى يومنا هذا نشطين للغاية في مجال التبادلات الخارجية في إطار طريق الحرير البحري.
وتوارثاً لخصائص أجدادهم، ينشط نسل العرب هؤلاء في قطاعات التجارة والملاحة والصناعة، "فالاندماج بين نسل العرب والسكان المحليين هنا لمئات السنين جعلهم متقاربين في الكثير من عادات الحياة، ولكن المنتمين لنسل العرب مازالوا يحافظون على بعض الخصائص العربية الإسلامية من حيث أداء العبادات وكذا شراء الأطعمة الخاصة بهم"، هكذا أوضح مسؤول للمراسل.
وتحدث لنا قوه جينغ تشوان ( 52 عاما)، وهو رئيس إحدى شركات الشحن الخاصة في تشيوانتشو، عن نفسه باعتباره من نسل العرب قائلا "عملت بحاراً في شركة شحن بهونغ كونغ في ثمانينات القرن الماضي وسافرت خلال تلك الفترة إلى عدة دول بأنحاء العالم من بينها دول بالشرق الأوسط مثل مصر والكويت، فأنا لا أنسى هويتي كشخص من نسل العرب. واعتبرت تلك الرحلات بمثابة عملية بحث عن جذوري".
فقبل عشرين عاماً، أسس قوه شركة شحن خاصة به تباشر أعمال النقل البحري في إحدى موانئ تشيوانتشو، وثمة الكثير من السلع الصينية التي تصدر إلى أرجاء العالم من خلال شركته، مستهدفاً في عمله الأسواق الرئيسية في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط.
"في حقيقة الأمر، من سبقوني في عائلتي شرعوا في ممارسة الأعمال التجارية الملاحية، وآمل أن يواصل ولدي البالغ من العمر 18 ربيعاً مهنتي، أو بالأحرى مهنة عائلتنا التي تعد مهارة ورثناها أبا عن جد"، هكذا قال قوه وإحساس كبير بالتفاؤل ينبع من داخله.
-- سوق كبيرة جاذبة لرجال الأعمال العرب
عند دخول مراسلي (شينخوا) إلى أحد شوارع هذه المدينة، لاحظوا أن كثيرا من اللافتات مكتوبة باللغتين الصينية والعربية. وفسرت ذلك لي تشاو بينغ مسؤولة بهيئة التجارية الخارجية تقول إن "منطقة شيشي في مدينة تشيوانتشو تعد من أكبر الأسواق الصينية المتخصصة في الملابس وتجذب منذ عقود أنظار التجار الأجانب، وكثير منهم أتوا من بلدان عربية".
قبل 18 عاماً أي في عام 1999، سافر حازم الركابي العراقي إلى هذه المنطقة واضعاً السوق الكبيرة والذاخرة بالإمكانات في تلك المنطقة نصب عينيه. "في عائلتي التي تمتهن التجارة 12 رجلاً في جيلي، وكنت أنا أولهم بل والوحيد منهم الذي جاء إلى الصين"، هكذا قال الركابي عند حديثه عن صلته بالصين، مضيفا "قبل رحلتي إلى الصين، سافرت إلى دول أخرى ومن بينها تايلاند لاكتشاف أسواق الملابس، لكنني اخترت الصين أو بالأحرى منطقة شيشي نظراً للإمكانات الكبيرة لسوقها".
و"يمكنكم رؤية ملابس مصنوعة من الحرير الصيني ومنتجة في مصانع صينية وهي تباع في سوق بشارع الجمهورية بالعاصمة العراقية بغداد، وتلقى إقبالاً واسعاً من السكان هناك"، حسبما قال الركابي، مشيرا إلى أن مجالات تجارته تشهد توسعاً خلال هذه السنوات لتمتد إلى العمارة والأغذية والأثاث...إلخ، وتستهدف المزيد من الأسواق في الشرق الأوسط.
وفي الوقت الحاضر، شرع الركابي يلعب دور جسر في التبادلات الصينية- العربية حيث يساعد العديد من زملائه العرب في مزاولة أنشطة تجارية في الصين، كما يعاونه عدد من الصينيين في دفع هذه التبادلات من خلال عملهم كموظفين في شركته. "إنه من أكثر التجار العرب نجاحاً في الصين، لا لنجاحه في أعماله التجاريه فحسب، بل لدوره الإيجابي أيضا في التبادلات بين الصين والأقطار العربية"، جاء ذلك على لسان لي تشاو بينغ عند تقييمها لمدى النجاح الذي حققه الركابي في الصين.
ومقارنة بالركابي، فعبد الهادي محمد اليمني وزميله محمد عبد الإله دائما ما يشعران بالقلق إزاء نشاطهما التجاري. "فبسبب التأثيرات الناجمة عن تصاعد التوتر في بلادنا، بدأت أعمالنا تتراجع تدريجياً خلال السنوات الأخيرة"، هكذا ذكرا عند حديثهما عن أحوالهما. فقبل أن يبدآ في مزاولة أنشطتهما التجارية في الصين عام 2007، عاش الزميلان اليمنيان في الصين لعدة سنوات كطالبين وافدين للدراسة في جامعة بشمال شرقي الصين في إطار برنامج التبادلات التعليمية. وعقب تخرجهما سافرا إلى تشيوانتشو ليطلقا منها أعمالهما التجارية نظرا ًلازدهار تجارة الملابس فيها. ولكن "إذا ما ضاق الطريق ووصل الحد أن أصبح مسدوداً، فلا بد من شق طريقً جديد. ومع التراجع الذي نشهده في هذه السنوات، بدأنا نتعاون مع بعض أصدقائنا لفتح مطعم متخصص في تقديم الأطعمة العربية الأصلية إلى العرب المقيمين في هذه المدينة، كما دعونا طهاة صينيين ليقوموا بطهي أطباق صينية لذيذة لجذب سكان المدينة والسائحين الصينيين الوافدين إليها، وهذا يشكل إلى حد ما تعويضاً لتراجع أعمالنا التجارية"، هكذا قال عبد الهادي محمد عند حديثه عن الدرب الذي سلكه مؤخرا للتكيف مع الأوضاع الجديدة.
وقال الزميلان إنهما يحبان الصين وتعودا على الحياة فيها، "لقد قررت البقاء في الصين للعمل وعندما أعود لقضاء عطلة في بلادي، يشعر الأهل والأصدقاء والمعارف أنني أصبحت صينياً بكل معنى الكلمة بسبب عاداتي التي باتت مغايرة لعاداتهم مثل تناول الوجبات في أوقات مختلفة عنهم واحتساء الشاي بدون السكر أحياناً"، هكذا عبر محمد عبد الإله مبتسما وهو يتحدث عن مدى ارتباطه بالصين.
تحرير:ZhangDi | مصدر:Xinhua